فصل: (سورة الفاتحة: الآيات 1- 7):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



والثاني أنه بدل من الهاء والميم في عليهم.
والثالث أنه صفة للذين.
فإن قلت: الذين معرفة وغير لا يتعرف بالإضافة فلا يصح أن يكون صفة له.
ففيه جوابان:
أحدهما أن غير إذا وقعت بين متضادين وكانا معرفتين تعرفت بالإضافة كقولك: عجبت من الحركة غير السكون، وكذلك الأمر هنا لأن المنعم عليه والمغضوب عليه متضادان.
والجواب الثاني أن الذين قريب من النكرة لأنه لم يقصد به قصد قوم بأعيانهم وغير المغضوب قريبة من المعرفة بالتخصيص الحاصل لها بالإضافة فكل واحد منهما فيه إبهام من وجه واختصاص من وجه.
ويقرأ غير بالنصب، وفيه ثلاثة أوجه: أحدهما أنه حال من الهاء والميم والعامل فيها أنعمت، ويضعف أن يكون حالا من الذين لأنه مضاف إليه، والصراط لا يصح أن يعمل بنفسه في الحال، وقد قيل إنه ينتصب على الحال من الذين ويعمل فيها معنى الإضافة.
والوجه الثاني أنه ينتصب على الاستثناء من الذين أو من الهاء والميم.
والثالث أنه ينتصب بإضمار أعنى والمغضوب مفعول من غضب عليه، وهو لازم والقائم مقام الفاعل عليهم، والتقدير غير الفريق المغضوب، ولا ضمير في المغضوب لقيام الجار والمجرور مقام الفاعل، ولذلك لم يجمع فيقال الفريق المغضوبين عليهم، لأن اسم الفاعل والمفعول إذا عمل فيما بعده لم يجمع جمع السلامة: {ولا الضالين} لا زائدة عند البصريين للتوكيد، وعند الكوفيين هي بمعنى غير، كما قالوا: جئت بلا شيء فأدخلوا عليها حرف الجر فيكون لها حكم غير.
وأجاب البصريون عن هذا بأن لا دخلت للمعنى فتخطاها العامل كما يتخطى الألف واللام والجمهور على ترك الهمز في الضالين: وقرأ أيوب السختيانى بهمزة مفتوحة وهى لغة فاشية في العرب في كل ألف وقع بعدها حرف مشدد نحو: ضال ودابة وجان، والعلة في ذلك أنه قلب الألف همزة لتصح حركتها لئلا يجمع بين ساكنين.

.فصل في آمين:

وأما آمين فاسم للفعل ومعناها اللهم استجب، وهو مبنى لوقوعه موقع المبني، وحرك بالفتح لأجل الياء قبل آخره كما فتحت أين، والفتح فيها أقوى لأن قبل الياء كسرة، فلو كسرت النون على الأصل لوقعت الياء بين كسرتين.
وقيل آمين: اسم من أسماء الله تعالى، وتقديره: يا آمين، وهذا خطأ لوجهين: أحدهما أن أسماء الله لا تعرف إلا تلقيا ولم يرد بذلك سمع.
والثاني أنه لو كان كذلك لبنى على الضم لأنه منادى معرفة أو مقصود، وفيه لغتان: القصر وهو الأصل، والمد وليس من الأبنية العربية، بل هو من الأبنية الأعجمية كهابيل وقابيل والوجه فيه أن يكون أشبع فتحة الهمزة فنشأت الألف، فعلى هذا لا تخرج عن الأبنية العربية.

.فصل في هاء الضمير:

نحو: عليهم وعليه وفيه وفيهم وإنما أفردناه لتكرره في القرآن.
الأصل في هذه الهاء الضم لأنها تضم بعد الفتحة والضمة والسكون نحو: إنه وله وغلامه ويسمعه ومنه، وإنما يجوز كسرها بعد الياء نحو: عليهم وأيديهم، وبعد الكسر نحو: به وبداره، وضمها في الموضعين جائز لأنه الأصل، وإنما كسرت لتجانس ما قبلها من الياء والكسرة، وبكل قد قرئ.
فأما عليهم ففيها عشر لغات، وكلها قد قرئ به: خمس مع ضم الهاء، وخمس مع كسرها، فالتى مع الضم: إسكان الميم وضمها من غير إشباع، وضمها مع واو، وكسر الميم من غير ياء، وكسرها مع الياء.
وأما التي مع كسر الهاء: فإسكان الميم وكسرها من غير ياء وكسرها مع الياء، وضمها من غير واو، وضمها مع الواو، والأصل في ميم الجمع أن يكون بعدها واو كما قرأ ابن كثير، فالميم لمجاوزة الواحد، والألف دليل التثنية نحو: عليهما، والواو للجمع نظير الألف، ويدل على ذلك أن علامة الجماعة في المؤنث نون مشددة نحو: عليهن، فكذلك يجب أن يكون علامة الجمع للمذكر حرفين، إلا أنهم حذفوا الواو تخفيفا، ولا لبس في ذلك لأن الواحد لاميم فيه، والتثنية بعد ميمها ألف، وإذا حذفت الواو سكنت الميم لئلا تتوالى الحركات في أكثر المواضع نحو: ضربهم ويضربهم، فمن أثبت الواو أو حذفها وسكن الميم فلما ذكرنا، ومن ضم الميم دل بذلك على أن أصلها الضم وجعل الضمة دليل الواو المحذوفة، ومن كسر الميم وأتبعها ياء فإنه حرك الميم بحركة الهاء المكسورة قبلها ثم قلب الواو ياء لسكونها وانكسار ما قبلها، ومن حذف الياء جعل الكسرة دليلا عليها، ومن كسر الميم بعد ضمة الهاء فإنه أراد أن يجانس بها الياء التي قبل الهاء، ومن ضم الهاء قال: إن الياء في عليه حقها أن تكون ألفا كما ثبتت الألف مع المظهر وليست الياء أصل الألف، فكما أن الهاء تضم بعد الألف فكذلك تضم بعد الياء المبدلة منها، ومن كسر الهاء اعتبر اللفظ، فأما كسر الهاء وإتباعها بياء ساكنة فجائز على ضعف، أما جوازه فلخفاء الهاء بينت بالإشباع، وأما ضعفه فلأن الهاء خفية والخفى قريب من الساكن والساكن غير حصين، فكأن الياء وليت الياء، وإذا لقى الميم ساكن بعدها جاز ضمها نحو: عليهم الذلة، لأن أصلها الضم، وإنما أسكنت تخفيفا، فإذا احتيج إلى حركتها كان الضم الذي هو حقها في الأصل أولى ويجوز كسرها إتباعا لما قبلها.
وأما: فيه ويليه، ففيه الكسر من غير إشباع، وبالإشباع، وفيه الضم من غير إشباع وبالإشباع، وأما إذا سكن ما قبل الهاء نحو: منه وعنه وتجدوه، فمن ضم من غير أشباع فعلى الأصل، ومن أشبع أراد تبيين الهاء لخفائها. اهـ.

.قال حميدان دعاس:

.الاستعاذة:

أعوذ باللّه من الشيطان الرجيم.
أعوذ أعتصم وأتحصن، وأصله أعوذ على وزن أفعل. الله علم يختص بالمعبود دون غيره، قال بعضهم إنه مشتق وقيل غير ذلك. الشيطان إبليس، وزنه فعلان من شاط أي حال أو فعال وفعله شطن أي بعد. الرجيم فعيل بمعنى مفعول أي مطرود من رحمة اللّه أو بمعنى فاعل وهو الطارد لغيره.
أعوذ فعل مضارع مرفوع، والفاعل ضمير مستتر وجوبا تقديره أنا. بالله لفظ الجلالة في محل جر بالباء والجار والمجرور متعلقان بأعوذ. من الشيطان جار ومجرور متعلقان بأعوذ أيضا. الرجيم صفة للشيطان وجملة أعوذ ابتدائية لا محل لها من الإعراب.
سورة الفاتحة:

.[سورة الفاتحة: الآيات 1- 7]:

{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (1) الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (2) الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (3) مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5) اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ (7)}.
{بسم اللّه الرحمن الرحيم} اسْمَ ذهب أهل البصرة في اشتقاقه إلى أنه مشتق من السمو وهو العلو بينما ذهب أهل الكوفة إلى أنه مشتق من السمة وهي العلامة- وحذفت الألف في البسملة لكثرة استعمالها. {الرَّحْمنِ} وزنه فعلان وفيه معنى المبالغة، ولا يوصف به إلا اللّه تعالى.
{الرَّحِيمِ} وزنه فعيل وفيه كذلك معنى المبالغة.
{بِسْمِ} جار ومجرور متعلقان بفعل محذوف تقديره ابتدئ أو بخبر محذوف تقديره ابتدائي {اللَّهِ} لفظ الجلالة مضاف إليه. {الرَّحْمنِ} صفة للّه. {الرَّحِيمِ} صفة ثانية.
وجملة البسملة ابتدائية لا محل لها من الإعراب.
{الْحَمْدُ} الثناء على الجميل بالقول. الرب المالك والسيد وقد يراد به المصلح والمربي. {الْعالَمِينَ} جمع عالم بفتح اللام ويراد به جميع الكائنات. {يَوْمِ الدِّينِ} يوم الجزاء. {الصِّراطَ} الطريق. وهو يذكر ويؤنث والتذكير أكثر.
{الْحَمْدُ} مبتدأ مرفوع. {لِلَّهِ} لفظ الجلالة مجرور باللام ومتعلقان بخبر محذوف تقديره الحمد واجب.
{رَبِّ} صفة للّه، أو بدل منه. {الْعالَمِينَ} مضاف إليه مجرور بالياء لأنه ملحق بجمع المذكر السالم.
{الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ} صفتان للّه. {مالِكِ} صفة ثالثة. {يَوْمِ} مضاف إليه. {الدِّينِ} مضاف إليه ثان.
{إِيَّاكَ} ضمير نصب منفصل مبني على الفتح في محل نصب مفعول به مقدم. {نَعْبُدُ} فعل مضارع {وَإِيَّاكَ} سبق إعرابها. {نَسْتَعِينُ} فعل مضارع أصله نستعون استثقلوا الكسرة على الواو ونقلوها إلى العين فانقلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها. {اهْدِنَا} فعل أمر يراد به الدعاء مبني على حذف حرف العلة.
والفاعل ضمير مستتر تقديره أنت ونا ضمير متصل في محل نصب مفعول به. {الصِّراطَ} اسم منصوب بنزع الخافض- أو مفعول به ثان. {الْمُسْتَقِيمَ} صفة للصراط، والأصل مستقوم مثل نستعين. {صِراطَ} بدل من الصراط- بدل كل من كل. {الَّذِينَ} اسم موصول مبني على الفتح في محل جر بالإضافة.
{أَنْعَمْتَ} فعل ماض مبني على السكون، والتاء تاء الفاعل، وجملة أنعمت صلة الموصول لا محل لها.
{عَلَيْهِمْ} جار ومجرور متعلقان بأنعمت. {غَيْرِ} صفة الذين. {الْمَغْضُوبِ} مضاف إليه. {عَلَيْهِمْ} متعلقان بالمغضوب. {وَلَا} الواو عاطفة، لا زائدة لتأكيد معنى النفي في غير. {الضَّالِّينَ} معطوف على المغضوب عليهم مجرور بالياء لأنه جمع مذكر سالم. آمين اسم فعل أمر للدعاء ليست من الفاتحة وهي بمعنى استجب، مبني على السكون وحرك بالفتح لمناسبة الياء المكسور ما قبلها. اهـ.

.قال أبو حيان:

وقد أنجر في غضون تفسير هذه السورة الكريمة من علم البيان فوائد كثيرة لا يهتدي إلى استخراجها إلا من كان توغل في فهم لسان العرب، ورزق الحظ الوافر من علم الأدب، وكان عالمًا بافتنان الكلام، قادرًا على إنشاء النثار البديع والنظام.
وأما من لا اطلاع له على كلام العرب، وجسا طبعه حتى عن الفقرة الواحدة من الأدب، فسمعه عن هذا الفن مسدود، وذهنه بمعزل عن هذا المقصود.
قالوا: وفي هذه السورة الكريمة من أنواع الفصاحة والبلاغة أنواع:
النوع الأول: حسن الافتتاح وبراعة المطلع، فإن كان أولها {بسم الله الرحمن الرحيم}، على قول من عدها منها، فناهيك بذلك حسنًا إذ كان مطلعها، مفتتحًا باسم الله، وإن كان أولها {الحمد لله} فحمد الله والثناء عليه بما هو أهله، ووصفه بماله من الصفات العلية أحسن ما افتتح به الكلام، وقدم بين يدي النثر والنظام، وقد تكرر الافتتاح بالحمد في كثير من السور، والمطالع تنقسم إلى حسن وقبيح، والحسن إلى ظاهر وخفي على ما قسم في علم البديع.
النوع الثاني: المبالغة في الثناء، وذلك لعموم أل في الحمد على التفسير الذي مر.
النوع الثالث: تلوين الخطاب على قول بعضهم، فإنه ذكر أن {الحمد لله} صيغته صيغة الخبر، ومعناه الأمر، كقوله: {لا ريب فيه} ومعناه النهي.
النوع الرابع: الاختصاص باللام التي في لله، إذ دلت على أن جميع المحامد مختصة به، إذ هو مستحق لها وبالإضافة في ملك يوم الدين لزوال الأملاك والممالك عن سواه في ذلك اليوم، وتفرده فيه بالملك والملك، قال تعالى: {لمن الملك اليوم} ولأنه لا مجازى في ذلك اليوم على الأعمال سواه.
النوع الخامس: الحذف، وهو على قراءة من نصب الحمد ظاهر، وتقدم، هل يقدر من لفظ الحمد أو من غير لفظه؟ قال بعضهم؟ ومنه حذف العامل الذي هو في الحقيقة خبر عن الحمد، وهو الذي يقدر بكائن أو مستقر، قال: ومنه حذف صراط من قوله غير المغضوب، التقدير غير صراط المغضوب عليهم، وغير صراط الضالين، وحذف سورة إن قدرنا العامل في الحمد إذا نصبناه، اذكروا أو اقرأوا، فتقديره اقرأوا سورة الحمد، وأما من قيد الرحمن، والرحيم، ونعبد، ونستعين، وأنعمت، والمغضوب عليهم، والضالين، فيكون عنده في سورة محذوفات كثيرة.
النوع السادس: التقديم والتأخير، وهو في قوله نعبد، ونستعين، والمغضوب عليهم، والضالين، وتقدم الكلام على ذلك.
النوع السابع: التفسير، ويسمى التصريح بعد الإبهام، وذلك في بدل صراط الذين من الصراط المستقيم.
النوع الثامن: الالتفات، وهو في {إياك نعبد وإياك نستعين}، اهدنا.
النوع التاسع: طلب الشيء، وليس المراد حصوله بل دوامه، وذلك في اهدنا.
النوع العاشر: سرد الصفات لبيان خصوصية في الموصوف أو مدح أو ذم.
النوع الحادي عشر: التسجيع، وفي هذه السورة من التسجيع المتوازي، وهو اتفاق الكلمتين الأخيرتين في الوزن والروي، قوله تعالى: {الرحمن الرحيم اهدنا الصراط المستقيم} وقوله تعالى: {نستعين ولا الضالين}. اهـ.